حياتنا معجونة بالمهام والالتزمات, والقرارات العابرة والجسيمة, في الدّراسة والعمل, والزّواج والمسكن, والسّفر والإقامة, والصّحّة والمرض, وفي كلّ هذه المتطلّبات فإنّنا نسعى لإنجازها باتّخاذ الأسباب كما أمرنا الله, وكما هومركّب في فطرتنا أصلا.
هذا المشهد مشهد طبيعيّ ومتكرّر وإنّما الذي يستحقّ أن نفحصه ونتأمّله هو تلك المشاعر والأحاسيس التي تتحرّك في داخلنا في كيفيّة قراءتنا للعلاقة بين النّتائج والأسباب.
كثيرا ما يرتبط في أذهاننا أنّ قوّة النّتائج مرتبطة بما يظهر من قوّة الأسباب في مظاهرها وغطائها المادي, ولذلك تهفو النّفوس للتعلّق بالسّبب.
كثيرا ما يدور في عقولنا تصوّرات مسبقة أنّ أقوى النّاس هم أولائك الذين يملكون أقوى الأسباب الماديّة.
لكن القوّة الحقيقيّة مرتبطة بقوّة التّعلّق بالله لا بالتّعلّق بالأسباب, فقوّة التّوكّل هي المدد الحقيقي أمام صعوبات الحياة, ويتفاوت النّاس في قوّتهم بحسب ما في قلوبهم من التّوكّل الشرعي.
نتوكّل على الله لأنّ التّوكّل معيار الإيمان, وهو اللحظة التي تكشف مصداقيّة إيماننا بالله.
نتوكّل على الله لأنّ الله هو أعظم وكيل, وهو الذي يكفينا, ومن أعظم كفاية من الله؟ ﴿ ومن يتوكّل على الله فهو حسبه ﴾
فمن كان الله حسبه, فكيف ستكون قوّته بين النّاس؟ ولذلك قال من قال من السّلف: ⸩ من سرّه أن يكون أقوى النّاس فليتوكّل على الله ⸨
نتوكّل على الله لأنّ التّوكّل عليه سبحانه يحمينا من سلطة الشّيطان, فالشّيطان حاضر في تفاصيل حياتنا, يسعى بفنون الإضلال ليجرّ ابن آدم معه إلى المصير التّعيس, ويسعى لينسينا أمر الله.
فالتّوكّل على الله لا يعني ترك الأسباب, ولكن ومع فعل الأسباب, فإنّ القلب معلّق بالله, ملتفت معرض عن التّعلّق بهذه الأسباب, ولذلك ترى المتوكّل يلهج بالذّكر, يرقب توفيق ربّه ويتمتم بالدّعاء.
والله سبحانه وتعالى يرغّب المتوكّل بأن يكون الله حسبه, وأنّ الله نعم الوكيل, فإنّه يدرك حبّ الله سبحانه لقيام هذه الحالة القلبيّة في عبده, وأنّها من أرفع مقامات الإيمان عند الله.
فهل ستنقضي هذه الدّنيا, ونرقد في قبورنا,ونحن لم نتذوّق هذا المقام العالي
مقام التّوكّل, الذي تزداد به قوّة النّفس, وتصبح القوى البشريّة أمامها كالهباء.