ماهي علاقة الصيام بالصّبر ؟
قسَّم العلماء الصبر إلى ثلاثة أقسام :
الصبر على الطاعة ، والصبر عن المعصية ، والصبر على القدَر ، وقد جمع الصّيام جميع أنواع الصبر .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :
« وأفضل أنواع الصبر : الصيام ؛ فإنه يجمع الصبر على الأنواع الثلاثة ؛ لأنه صبر على طاعة الله عز وجل ، وصبر عن معاصي الله ؛ لأن العبد يترك شهواته لله ونفسه قد تنازعه إليها ، ولهذا جاء في الحديث الصحيح أن الله عز وجل يقول : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به ؛ لأنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) ، وفيه أيضاً : صبر على الأقدار المؤلمة بما قد يحصل للصائم من الجوع والعطش » .
فمن حقَّق صيامه كما شرعه الله تعالى فإنه يحصِّل ثواباً عظيماً ، وأجراً جزيلاً من ربه تبارك وتعالى.
ويكفيه قوله تعالى ﷻ :
﴿ إِنَّمَا يُوفَّى الصَّابِرونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾
ولكي يحافظ المسلم على صيامه من نقصانه بسبب فعل المعاصي : فإنه يجب عليه تحقيق الصبر على المعصية.
كيف أصبر عن المعاصي
قاعدة الصبر عن المعصية ينشأ من أسباب عديدة :
أحدها :
عِلْم العبدِ برذالتها ، ودناءتها ، وأن الله حرَّمها ، ونهى عنها.
السبب الثاني :
الحياء من الله سبحانه ؛ فإن العبد متى علم بنظره إليه ، ومقامه عليه ، وأنه بمرأى منه ومسمع .
السبب الثالث :
مراعاة نعَم الله عليك ، وإحسانه إليك ؛ فإن الذنوب تزيل النعَم.
وفي مثل هذا قيل :
إذا كنتَ في نعمة فارعها … فإن المعاصي تزيل النعَم
السبب الرابع :
الخوف من الله ، وخشية عقابه ، وهذا السبب يَقوى بالعلم واليقين ، ويضعف بضعفهما.
قال الله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) ، وقال بعض السلف : كفى بخشية الله علماً ، والاغترار بالله جهلاً .
السبب الخامس :
محبة الله ، وهي أقوى الأسباب في الصبر عن مخالفته ، ومعصيته ؛ فإن المحب لمن يحب مطيع ، وكلما قوي سلطان المحبة في القلب : كان اقتضاؤه للطاعة ، وترك المخالفة أقوى ، وإنما تصدر المعصية والمخالفة من ضعف المحبة وسلطانها ، وفرقٌ بين من يحمله على ترك معصية سيده خوفه من سوطه وعقوبته وبين من يحمله على ذلك حبه لسيده … .
السبب السادس :
شرف النفس ، وزكاؤها ، وفضلها ، وأنفتُها ، وحميتها أن تختار الأسباب التي تحطها ، وتضع من قدرها ، وتخفض منزلتها ، وتحقرها ، وتسوِّي بينها وبين السفلة .
السبب السابع :
قوة العلم بسوء عاقبة المعصية ، وقبح أثرها ، والضرر الناشيء منها من : سواد الوجه ، وظلمة القلب ، وضيقه ، وغمِّه ، وحزنه.
السبب الثامن :
من أعظم الأشياء ضرراً على العبد : بطالته ، وفراغه ؛ فإن النفس لا تقعد فارغة بل إن لم يشغلها بما ينفعها شغلته بما يضره ، ولا بد .
السبب التاسع : وهو الجامع لهذه الأسباب كلها :
ثبات شجرة الإيمان في القلب ، فصبر العبد عن المعاصي إنما هو بحسب قوة إيمانه ، فكلما كان إيمانه أقوى : كان صبره أتم ، وإذا ضعف الإيمان : ضعف الصبر.
فإن من باشر قلبَه الإيمانُ بقيام الله عليه ، ورؤيته له ، وتحريمه لما حرّم عليه وبغضه له ومقته لفاعله ، وباشر قلبه الإيمان بالثواب والعقاب والجنة والنار.
فإذا قوي سراج الإيمان في القلب وأضاءت جهاته كلها به وأشرق نوره في أرجائه سرى ذلك النور إلى الأعضاء ، وانبعث إليها ، فأسرعت الإجابة لداعي الإيمان ، وانقادت له طائعة مذللة غير متثاقلة ولا كارهة ، بل تفرح بدعوته حين يدعوها.
فآثار المعصية القبيحة أكثر من أن يحيط بها العبد علماً ، وآثار الطاعة الحسنة أكثر من أن يحيط بها علماً ، فخير الدنيا والآخرة بحذافيره في طاعة الله ، وشر الدنيا والآخرة بحذافيره في معصيته.