الخوارج أو الخارجيّ، من خلال تعريف الشّهرستاني: « مثل من خرج على الإمام الحقّ الّذي اتّفقت الجماعة عليه » (الملل والنّحل، ج1، ص114)، وخلع طاعته وأعلن عصيانه وأَلَبَّ عليه، وأوّل خروجهم كان على خلافة عليّ – رضي الله عنه- فَسُمُّوا النَّوَاصِب لبغضهم عَلِيًّا، كما سُمُّوا الحَرُّورِيَّة لانحيازهم بعد الانشقاق إلى حَرُّورَاء (قرية من قرى الكوفة).
والخوارج وإن لم يرتطموا في هوّة الوضع والكذب لتكفيرهم مرتكبي الكبيرة، والكذب من كبرى الكبائر، فما كانوا ليستحلّوه، ولطبيعتهم البدويّة الجافّة، فكانوا صُرَحَاءَ لا يلجئون إلى التّقيّة والكذب كما فعل الشّيعة، وإنّما كانوا يقاومون أعداءهم بحدّ السّيف، ممّا جعل أبا داوود السّجستاني يقول عنهم: « ليس في أصحاب الأهواء أصحّ حديثا من الخوارج ». وهو رأي يُدعّمه ابن تيميّة بعده، فيقول عنهم: « من أصحّ الحديث »، إلّا أنّ تجنّبهم الكذب لم يعصمهم من السّقوط في ما لا يقلّ بشاعة وشرّا، وهو تكفيرهم جمهور الصّحابة وردّ أحاديثهم ومرويّاتهم.
و كيف كان موقفهم من الصحابة ؟ فقد كانت تُجمع كتب التّاريخ على أنّ الخوارج -على اختلاف فرقهم- يُعَدِّلُونَ الصّحابة جميعا قبل الفتنة ثمّ يكفّرون عثمانَ وعليَّ وأصحاب الجمل وجمهور الصّحابة – رضي الله عنهم- الّذين شهدوا التّحكيم والحكمين ومن رضي بالتّحكيم بدعوى أنّهم خالفوا أمر الله، وتكفير الخوارج
الصّحابـة يتعـارض بـوضـوح صـارح مـع تَعْدِيـل الله تعالـى لهم:
لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا 18 وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا 19 وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغَانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَهَا فَعَجَّلَ لَكُمْ هَٰذِهِ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ وَيَهْدِيَكُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا 20 وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا 21 وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا 22
وتعديل رسوله ﷺ فقد أشاد بمناقبهم وبشّر العديد
منهم بالجنّة، وحذّر من سبِّهم وإذايَتِهِم، فضلا عن تكفيرهم، ونشأ عن هذا الموقف المتشنّج الضّالّ أن ردّوا مرويات هؤلاء الصّحابة وهم جمهور غفير، كما امتنعوا عن قبول مرويات فقهاء الأمّة الّذين ضبطوا آثار الصّحابة وقاسوا فروعهم على فتاواهم، إذ لم يسلم هؤلاء الفقهاء من تكفيرهم.