1- مراعاة المعنى في تقسيم المصحف :
إنّ تقسيم المصحف الشّـريف إلى أجزاء، وأحــزاب، وأرباع، وأثمان…
هو -في حقيقته – تَقْسِيمٌ مبنيٌّ على عدد الحروف، أو عدد الأسطر أو الكلمات.
ولهذا لم يُراَعَ في هذا التّقسيم – في الغالب – ترابط المعاني وإتمامها، فترى رُبُعَ « أَتَأْمُرُونَ »(سورة البقرة:44) يتوسّط الحديث عن بني إسرائيل الّذي يبدأ قبله بآية يَـا بَـنِي إِسْــرَاءِيــلَ(سورة البقرة:40)، وتـرى حــزب « وَاذْكُـرُواْ اللهَ »(سورة البقرة:203) يبدأ بآية هي تتمّة الكلام عن مشاعر الحجّ الّتي ذُكرت في الآيات قبلها، وترى جزءَ « وَالْمُحْصَنَاتُ »(سورة النّساء: 24) يبدأ بآية هي تتمّة المحرّمات الّتي ذُكرت في الآيات قبلها، وترى جزء « إِنَّمَا السَّبِيلُ »(سورة التوبة:93) يبدأ بآية هي تتمّة للكلام الذي قبله، وترى ربع « أَوْفُواْ الكَيْلَ »(سورة الشعراء:181) يبدأ في منتصف قصّة سيّدنا شُعيب، وتبدأ القصّة قبله بقليل…وهكذا.
فهذه البدايات وأضرابها مرتبطة بما قبلها في اللّفظ والمعنى، وعلى القارئ ألّا يتقيّد بنهاياتها ولَا ببداياتها في الجزء، أو الحزب، أو الرّبع، أو الثّمن، أو الآية أو الصّفحة، بل عليه أن يتقيّد بمراعاة المعنى وإتمامها عند قراءته وتلاوته للقرآن بصفة عامّة، فيقف على نهاية القصّة القرآنيّة، وعلى نهاية الكلام على فريضة الصّيام مثلًا، أو شعيرة الحجّ، أو أحكام الطّلاق والميراث، أو العدّة وهكذا.
2- مسُّ الجُنب والحائض للمصحف :
يَحْرُمُ مسّ الجُــــنُب والحائض والنّفساء للمصحف وحمله عند جمهور العلماء وكذا المصحف الّذي كُتب على هامشه معاني الكلمات، كتفسير الجلالين والمصحف الّذي بهامشه ترجمة المعاني… وهكذا. لكنّ العلماء جَوَّزُوا لمن هو في حاجة أكيدة لاستعمال المصحف، أن يحمله بِعِلَاقة ونحوها، إذا كان على غير طهارة، وكذلك تقليب صفحات المصحف بعود ونحو ذلك، لأنّ ذلك ليس بمسّ المصحف.
أمّـا كُتُـب التّفسير والحديث والفقه المشتملة على آيات من القرآن، فلا مانع من حملها والقراءة فيها في أصحّ قَوْلَيِ العلماء، كما يجوز للحائض أن تقرأ القرآن وأن تُعلّم قواعد ترتيله وحسن أدائه حَالَ الحيض لكن دون مسّ المصحف الشّريف.
3- مسُّ المصحف لغير الـــمُـــتوضّئ:
يُفضّل الوضوء لمسّ المصحف وحمله، ويجوز مسّه والقراءة فيه لغير المتوضّئ، لعدم وُرود نصّ صريح صحيح يمنع ذلك، فآية لَّا يَمَسُّهُ إلَّا الــمُـطَهَّرُونَ يعود الضّمير فيها على الكتاب المكنون، وهو اللّوح المحفوظ والمطهّرون هم الملائكة، وحديث «لَا يَمَسُّ القُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٍ» عام، يشمل الطّهارة الكُبرى والطّهارة الصُّغرى، ولا حرج في القراءة من المصحف على غير وضوء فضلًا عن القراءة غيبًا.
4- القراءة غيْبًا للجنب والحائض والنّفساء :
قراءة القرآن – للجُنب والحائض والنّفساء- بلا مسّ المصحف لا بأس به في أصحّ قَوْلَيِ العلماء لأنّه لم يثبت عن النّبيّ ما يمنع من ذلك، ومن الأدلّة على الجواز حديث عائشة (رضي الله عنها): «كَانَ النَّبِيُّ يَذْكُرُ اللهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِه» (أخرجه الإمام مسلم)
وأنهي الكلام في هذا الموضوع بتذكير كلّ قارئ وقارئة للقرآن الكريم إذا كانا على غير طهارة (أي في حالة الجنابـة بصفة خـاصّـة) وذلـك بالـتّـأكــيــد عليهما بأن لا يَسْتَسْهِلَا أو يتسرّعا إلى العمل بفتوى جواز قراءة القرآن على غير طهارة من الجنابة، بل عليهما العمل بهذه الفتوى عند الضّرورة، أو لعذر شرعيّ واضح.