إنَّ هذا القرآن نعمةٌ عظيمةٌ من النعم الإلهية، ولا يقدّرها حقَّ قدرها إلاَّ من ذاق حلاوتها وإنَّ قراءة كتاب الله لِمن أرفع درجات الذِّكر؛ فما ذكره الذاكرون بمثل قراءة كلامه، ولذلك كان فضلها عظيمًا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”من قرأ حرفًا من كتاب الله فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها، لا أقول الم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف“
رواه الترمذي/ صحيح الترمذي
وقال صلى الله عليه وسلم :” وما اجتمع قوم في بيت في بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده” رواه مسلم
فيا له من أجرٍ شمَّر من أجله الصالحون، وتسابق إلى ساحاته المتّقون، وتنافس فيه المتنافسون، ألا ترى عظم ذلك الثواب ؟! نزول الرحمة، وقُرب الملائكة .. وأعظمها وأجلها أن يذكرك الله تعالى في الملأ الأعلى !
فيا طالب الدرجات الرفيعة والمنازل المنيفة لا تغفلنَّ عن هذه الخيرات .
ومن أجل شرف هذا الكتاب العزيز كان تعلمه وتعليمه من أفضل الأعمال .. عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في الصُّفَّة فقال:» أيكم يحب أن يغدو كل يوم إلى بطحان أو إلى العقيق؛ فيأتي منه بناقتين كوماوين في غير إثم ولا قطع رحم ؟«فقلنا: » يا رسول الله، نحب ذلك «، قال : » أفلا يغدو أحدكم إلى المسجد فيعلم أو يقرأ آيتين من كتاب الله عز وجل خيرٌ له من ناقتين وثلاث خير من ثلاث ، وأربع خير من أربع، ومن أعدادهن من الإبل »
رواه مسلم
فأين أنت من هذا الخير العظيم ؟! فيا حسرة من ضيع هذا الثواب !
ولشرف تعلُّم هذا القرآن ها هو النبي صلى الله عليه وسلم يخبرنا ببُشرى أخرى .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :” الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران” ر
رواه البخاري ومسلم
قال الإمام القرطبي :التتعتُع: التردُّد في الكلام عيًّا وصعوبة، وإنما كان له أجران من حيث التلاوة، ومن حيث المشقَّة، ودرجات الماهر فوق ذلك كلِّه؛ لأنه قد كان القرآن متعتعًا عليه، ثم ترقَّى عن ذلك إلى أن شُبِّه بالملائكة
فلتحرص على تعلُّم كتاب الله تعالى؛ فإنه نعم الذُخر لك في الدنيا والآخرة، وإذا أعانك الله تعالى على تعلُّم كتابه؛ فلتسعَ إلى نشره وتعليمه لغيرك، حتى تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم : » خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه«
رواه البخاري
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :» ولا شكَّ أنَّ الجامع بين تعلُّم القرآن وتعليمه مُكمِّل لنفسه ولغيره، جامعٌ بين النفع القاصر والنفع المتعدِّي، ولهذا كان أفضل؛ وهو من جُملة من عنى سبحانه وتعالى بقوله: » وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ« {فصلت: 33}
والدعاء إلى الله يقع بأمورٍ شتَّى من جُملتها تعليم القرآن، وهو أشرف الجميع .
وقال أيضًا رحمه الله : وفي الحديث الحث على تعليم القرآن .
فعليك أيها المسلم أن تجعل من القرآن مدرستك التي تتعلَّم منها الهدى والرشاد .
وليكن كتابك المفضَّل الذي تحرص على قراءته وتعلمه، فاجعل ذلك زادك النافع الذي تتزوَّد به لمعادك .