من رحمة الله بنا أن جعل خواطر القلوب لا تدخل تحت الاختيار وبالتّالي لا تدخل في دائرة الحساب، فلو ترتّبت عليها الأحكام لكان في ذلك أعظم حرج ومشقة على الأمّة، ورحمة الله تأبى ذلك.
لكن هذا لا ينافي أن الخواطر هي شرارة العمل الأولى، وأن استقامة الأقوال والأعمال تنشأ من حراسة الخواطر وحفظها وعدم إهمالها والاسترسال معها، فإن أصل الفساد كلّه من قِبَل الخواطر لأنها بذور الشّيطان في أرض القلب، فإذا بذرها الشّيطان تعاهدها بسقيها مرة بعد أخرى حتى تصير إرادات، ثم يسقيها حتى تكون عزائم، ثم لا يزال بها حتى تثمر أعمالا، ولا ريب أن دفع الخواطر أيسر من دفع الإرادات والعزائم.
القلب لوح والخواطر نقوش تنقش فيه، والقلب ملك يصدر أوامره إلى جوارحك، فبماذا يأمرها إذا كان النّقش سوءا وخبيثا وعلى يد إبليس؟
تفريغ القلب من الخواطر السّيّئة بعدم الالتفات إليها أو استدعائها، وذلك بالاستعاذة بالله من الشّيطان الرّجيم فور ورودها مع عدم التّفرد والوحدة لمحاصرتها.
فإذا تفرّغ القلب كان لابد من ملئه، فاملأه واشغله بالنّافع المفيد عن طريق ملء الأوقات بكل عمل مفيد نافع، ومن ثمّ تكون المدخلات إلى العقل من البيئة الطّاهرة هي الخواطر الحسنة والأفكار الطّيّبة، لأن خواطر القلب وحديث النّفس ليست إلا وليدة البيئة التي يضع الإنسان فيها نفسه ويقضي أكثر وقته.